Majalah Al-Hikmah Edisi 15 2025
وحال المسلمين مع الحضارة مقارنة بحال الحضارات السابقة عليها يعبر عنه أفضل تعبير ما روته العرب (أن رجلين تفاخرا فقال أحدهما لصاحبه: نسبي مني ابتدأ ونسبك إليك انتهى)، فنسب العرب الحضاري ابتدأ مع السلم، ونسب المم الخري انتهى على يد العرب، لكن الفرق بين العرب وغيرهم أن العرب لم يدمروا حضارة وإنما وجدوها في طور الفول، ففرضوا ثقافتهم على شعوبها ثم استفادوا من الحضارات السابقة ليؤسسوا حضارة فريدة النشأة والشكل والتكوين ماديا وعقائديا وأخلقيا. وإذا كان السلم هو آخر شريعة نزلت، والقرآن آخر فيكتاب حكم؛ فإن العرب هم آخر أمة شاركت الحضارة النسانية، فكان لها طابعها الخاص الذي لىكانت أهم سماتها أنها أمة بنت حضارتها ع الوحي، وكتابها يحثها على الستفادة من كل تجارب الخرين الدنيوية حيث إن الحضارة المادية حضارة محايدة ليست متعصبة لمة على أخرى، وقد كان للعرب فضل على باقي الحضارات السابقة؛ حيث لاكانت سببا في إحياء علوم هذه الحضارات التي تتعارض مع عقيدتها؛ فأعادت لها الروح من جديد، فهي ملتقى الحضارات، وصاحبة الحضارة الفريدة التي ت نسب بحق إلى المسلمين. ُ وعندما قام أبناء الحضارات القديمة بنهضة علمية مادية في العصر الحديث فقد أقاموها على مساهمات المسلمين الذين ورثوا علوم الوائل وطوروها وتعلمت منهم أوروبا. نعم إن للحضارات أطوارا؛ لكن طول الطور يختلف من حضارة إلى أخرى على حسب ما تمتلكه من مقومات أخلقية وقيم وثوابت، أما التقدم المادي فل يقيم حضارة بقدر ما يغير واقعا. وإذا كان أجدادنا قد أقاموا حضارة لم يعرف التاريخ مثلها من حيث المكونات والتوازن والتكامل جمعوا فيها بين الدين والدنيا فقد أقاموها على أصول وقواعد ما زالتكما هي لم تتغير؛ فالقرآن محفوظ بحفظ الله تعالى له، وما زال أمام المسلمين فرصة لعادة هذه الحضارة من جديد لو أخذوا بأسباب الحضارة كما أخذ بها أسلفهم. الخلصة بعد هذا العرض نخلص إلى عدة أمور: - أمية العرب وإن كان معناها عدم القدرة على 1 القراءة والكتابة والحساب إل أنها تدل على بقاء العرب من الناحية النفسية والعقلية والروحية على نقائها وعدم اختلطها بثقافات المم الخرى، فلما جاء السلم انطلق بهم إلى مرحلة الرشد، فأقاموا حضارة متكاملة الركان، قوية البنيان. - العرب آخر أمة نهضت من بين المم، وكانت 2 ملتقى حضارات العالم القديم، حيث استوعبت كل الثقافات السابقة وهضمتها ثم أخرجت منتجا جديدا ع رفت به، وعلى أكتافهم بنى الغرب حضارته في ُ العصر الحديث. - عودة العرب والمسلمين إلى حلبة الحضارة سهل 3 إذ إن أسبابها التي نهض بها أسلفهم كما هي، فلم يبق إل أن يأخذوا بهذه السباب كما أخذ بها السلف مع الحفاظ على دينهم ودون التماهي مع الخرين؛ فللمسلمين ثقافتهم وأصولهم وقيمهم وأخلقهم التي ل تتغير مهما طال الزمن. MAJALAH AL HIKMAH | 53
Made with FlippingBook
RkJQdWJsaXNoZXIy NzMyMDE=