Majalah Al-Hikmah Edisi 15 2025

وإذا كانت المم تمر بأدوار الطفولة ثم الشباب ثم الشيخوخة فقد كان طور البداوة هو طور طفولة هذه المة ثم بدأ شبابها مع السلم؛ وعلى هذا فالمقارنة بين العرب وبين غيرهم من المم التي سبقتهم في الحضارة هي مقارنة بين أمة في طورها الول وأمم في أطوارها الخيرة، ويؤكد هذا الكلم ما روي من ا بين يدي يحيى بن خالد ً ر فارسي عربي َ ناظ َ أنه البرمكي، فقال الفارسي: (ما احتجنا إليكم قط في عمل ول تسمية، ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا في أعمالكم ول لغتكم، حتى إن طبيخكم وأشربتكم ودواوينكم وما فيها على ما سمينا، ما غيرتموه ... فسكت عنه العربي. فقال له يحيى بن خالد البرمكي: قل له: اصبر لنا نملك كما ملكتم ألف سنة بعد ألف سنة كانت قبلها ل نحتاج إليكم ول إلى شيء كان لكم). وقد أنصف يحيى البرمكي حين أرجع الحضارة إلى أطوارها كلها ولم يقارن طور الطفولة بطور الشباب أو بالطوار كلها، وهذا هو عين النصاف وما يجب أن يراعي عند المقارنة. وفي هذا الطار يمكن أن يفهم حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية ل نكتب ول نحسب...) الحديث، أي: أمة بقيت على فطرتها وسجاذتها الولى؛ فلم يكن لديها مدارس، ولم تعرف الجامعات ول الكاديميات، ولم تمارس التعليم والتعلم بمعناه المعروف لدى المم الخرى ما بين أستاذ وتلميذ، حتى جاء السلم فنقلها من هذا ذب نفسها، وزاد ّ قاها وه ّ الطور إلى طور أعلى، فر د ل ما أسيء استعماله من ّ ح سنا، وع ُ أخلقها ه الوجهة الصحيحة؛ كقول النبي عليه ُ ه َ ج ّ و َ الخلق و الصلة والسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره). وإذا كانت أمية العرب واقعا وحقيقية؛ فقد كانت أمية النبي عليه الصلة والسلم مع الرسالة معجزة له؛ بل هي العامل الهم في نفي كون الرسالة بشرية ونفي لم،كون القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وس فالسلم جاء به نبي أمي، فكان علمه كله من الوحي، وأرسل إلى أمة أمية لم تمارس التعلم، ولم تستهلك قواها العقلية والنفسية، بل ظلت تحتفظ بنقائها وصفائها حتى جاء السلم فأثمرت هذه البذور التي نضجت تحت تربة العفوية والسذاجة. وقد كان اهتمام العرب الحقيقي بالسيف ل بالقلم وبالخيل ل بالعلم فقد كانت ترى أن مهارة الحرب مقدمة على مهارة الكتابة فصرفت جهدها نحو تعلم الفروسية مهارة وخلقا (وكان العربي يفخر بالسيف واللسان ل بالقلم). ومما لشك فيه أيضا أن الطوار التي تمر بها المم في بناء حضاراتهم ليست محددة بزمان معين كما هو الحال في أعمار البشر حيث تنتهي الطفولة عند سن ذهكذا ويبدأ الشباب من عمر كذا وإنما تتفاوت ه الطوار زمنا كما تتفاوت قوة ونهضة من أمة إلى أخرى، فما استغرقه الفرس والروم من قرون في إقامة ممالكهم لم يستغرق من العرب مع السلم سوى نصف قرن أو أقل حتى حازوا المملكتين وتعدوهما حتى حدود الصين، وفي مدة زمنية بسيطة صار للعرب حضارة راسخة تناطح حضارات العالم القديم وتتفوق عليها بما نشرته من ثقافة التعايش والتكامل بين البشر جميعا، وبما أكدته من حق جميع البشر في التعلم والقيادة والصدارة في كل نواحي الحياة بعد نسي مع تسلط الجبابرة ومدعي ُ أن أقاموا العدل الذي اللوهية، وكيف ل ومصدر هذه الحضارة كلها القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. MAJALAH AL HIKMAH | 52

RkJQdWJsaXNoZXIy NzMyMDE=